المصدر : مجلة كل الاسرة
يعد البكاء استجابة طبيعية لتنظيم المشاعر وتخفيف التوتر العاطفي عند مواجهة المواقف، فعندما يشعر الإنسان بالغضب أو الألم يفرز الجسم هرمونات التوتر، فيذرف الدمع الذي يساعد على تخفيف الضغط النفسي والجسدي، ما يسهم في استعادة التوازن العاطفي.
بيد أن المسألة تختلف عند بعض الآباء والأمهات ممن يرفضون بكاء أبنائهم المراهقين أثناء مواجهتهم لبعض المواقف، معتبرين ذلك أسلوباً للتعبير يحمل في طياته ضعفاً وانكساراً، فتأتي ردود الأفعال الرافضة له محمّلة ببعض الجمل القاسية، مثل: «لا تبكِ فالرجل لا يبكي»، «امسح دموعك ولا تجعل أحداً يراك تبكي».. وغيرها من العبارات التي تكبت المشاعر وتقمع العواطف، وربما تؤدي إلى نتائج سلبية.
منى أبو حطب، مرشدة أسرية وتربوية
حملنا بعض من الاستفسارات التي تراود الكثيرين حول هذا السلوك الذي يتخذه المراهق، إما للتنفيس عن مشاعره أو لجذب الانتباه، إلى المرشدة الأسرية والتربوية بالشارقة، منى أبو حطب، لتعلق قائلة «يمر المراهق بتحولات نفسية وعاطفية تجعله أكثر حساسية للمواقف من حوله، فالتغيرات الهرمونية تلعب دوراً رئيسياً في عدم استقرار المزاج، إضافة إلى الشعور بعدم الفهم أو عدم الحصول على الدعم الكافي من المحيطين به، كما تؤدي الضغوط الدراسية والاجتماعية في بعض الأحيان إلى الشعور بالفشل، ناهيك عن الصراعات الداخلية الناتجة عن تناقض الرغبات المرتبطة بالتوقعات المجتمعية أو العائلية، إضافة إلى المشاعر المتقلبة والقلقة المتعلقة بشأن المستقبل، كل ذلك يزيد من توتر المراهق ويجعله يلجأ إلى البكاء كوسيلة للتنفيس عن مشاعره وأحياناً لجذب الانتباه».
نوبات البكاء أو الضحك غير المبررة قد تكون حالة مرضية
تلفت منى أبو حطب إلى عامل مهم يصاب به المراهق ولا يستوعبه الأبوان، الأمر الذي يدفعه لردود أفعال مبالغ فيها «يعد التأثير البصلي الكاذب وهو حالة عصبية تؤدي إلى نوبات غير مبررة من البكاء أو الضحك يفقد فيها الشخص القدرة على التحكم بمشاعره، ويمكن أن تنتج هذه الحالة عن إصابات دماغية أو أمراض عصبية. وفي حال كان الابن يعاني هذه الحالة، والتي يعبر فيها عن مشاعره بطريقة مبالغ فيها أو غير مناسبة في بعض الأحيان، فمن الضروري استشارة الطبيب للتشخيص والحصول على العلاج المناسب، الذي قد يشمل أدوية مثل مضادات الاكتئاب. وبكل تأكيد، تفهّم الأسرة لحالة ابنها وعدم لومه أو الضغط عليه أمر بالغ الأهمية لصحة المراهق النفسية والجسدية».
أنواع وأشكال البكاء
للبكاء وجوه كثيرة، تشير إليها المرشدة الأسرية والتربوية منى أبو حطب «هناك أنواع متعددة للبكاء نحددها في النقاط التالية:
- البكاء العاطفي الناتج عن مشاعر قوية مثل الحزن أو الفرح.
- البكاء الناتج عن الألم سواء الجسدي أو النفسي.
- البكاء التعاطفي ويحدث عندما يتأثر الشخص بمشاعر الآخرين.
- البكاء العابر الناتج عن تقلبات مزاجية أو مواقف بسيطة.
- البكاء المرضي ويرتبط باضطرابات نفسية أو حالات عصبية مثل التأثير البصلي الكاذب.
لابد من توجيه المراهق نحو أساليب أخرى للتنفيس عن مشاعره مثل الكتابة أو الرسم أو ممارسة الرياضة
“لابد من توجيه المراهق نحو أساليب أخرى للتنفيس عن مشاعره مثل الكتابة أو الرسم أو ممارسة الرياضة.”
— منى أبو حطب، مرشدة أسرية وتربوية
«عندما يبكي الابن، خاصة من يمر بمرحلة المراهقة، من المهم أن يتقبل الوالدان ذلك دون إصدار أحكام أو تعليقات سلبية مثل «لا تبكِ»، «الرجال لا يبكون»، «أنت إنسان ضعيف»؛ إذ يجب السماح له بالتعبير عن مشاعره وإعطائه المساحة للتحدث عما يشعر به بعد أن يهدأ، فالسخرية أو التقليل من المشاعر قد يدفعه إلى قمع عواطفه مستقبلاً، وهو ما قد يؤثر سلباً في صحته النفسية، فقد توجد لديه مشكلة تؤثر فيه مثل تلك المرتبطة بسماته الشخصية، كتراجع الثقة بالنفس أو التبعية المفرطة لشخص قريب منه أو شعوره الدائم بالنقد الذاتي أو التشاؤم، كما أن هناك من يعاني ضعف القدرة على التواصل الاجتماعي مع الآخرين، وربما يعاني مشكلات عائلية متعلقة بالأبوين.. كل هذا يدفعنا إلى أهمية توجيه المراهق نحو أساليب أخرى للتنفيس مثل الكتابة أو الرسم أو ممارسة الرياضة، أما إذا كان البكاء متكرراً أو يبدو بلا مبرر، فقد يكون من الضروري استشارة مختص نفسي لتحديد السبب الأساسي وراء هذا السلوك».
وخلاصة القول، كما توضحه منى أبو حطب: «البكاء جزء طبيعي وصحي للتعبير عن المشاعر، خاصة في فترة المراهقة، وكبت الابن أو السخرية منه عند ذرفه الدموع قد يسبب أضراراً طويلة المدى. فمقاومة الرغبة في البكاء يمكن أن يسبب مشاكل مزعجة مثل القلق وقلة النوم، ومع مرور الوقت، فإن كبت المشاعر يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم؛ لذا من المهم أن يدعم الوالدان أبناءهما بأسلوب صحي يعزز ثقتهم بأنفسهم، ويجعلهم يعبرون عن مشاعرهم بطريقة سوية دون كبتها».